تخطى إلى المحتوى

نعي البروفيسور مالك بدري

بسم الله الرحمن الرحيم

نعي أليــــم

صباح الاثنين 26 جمادى الاخرة، 8 فبراير 2021
اصْطفِي الموت احد ابرز المؤسسين لعلم النفس المعاصر ان لم يكن ابرزهم والرئيس الفخري للجمعية النفسية السودانية استاذ الاجيال البروفسر مالك بدري  سمحِ النفس بسَّامِ العشيات الوفي الحليم العِفِّ كالأنسام روحًا وسَجَايا أريحي الوجه والكف افترارًا وعطايا يلقاك (اذ يلقاك بالباب) بشوشا وحفي بضميرٍ ككتاب الله طاهر وغدا نلقاك ياميمونِ المُحيَّا ذي البشائر

(انا لله وانا اليه راجعون )

(وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا)   صدق الله العظيم

  كان سريعا في نموه العلمي فما بين مولده 1932  ونيله البكالوريوس بتقدير ممتاز من بيروت الامريكية 1956 والماجستير 1958 والدكتوراه من ليستر بريطانيا 1961 تسعة وعشرون عاما. ومنذ ذلك الحين والى قبيل وعكته الاخيرة – التي لم تدم طويلا – لا اظنه امضى يوما او بات ليلةً دون ان يتعلم جديدا او يعلم احدا او يكتب شيئا طيلة نيف وستين عاما. كما كان سريعا في نموه المهني كمعالج نفسي بدأه في جامعة لندن 1966 مستشفى ميدل سكس مع المؤسسين العالميين للعلاج السلوكي ايسنك ومايار وولبي وهموا المؤسسين الاصليين للعلاج السلوكي وواضعوا اناجيل علم النفس الاكلنيكي في العالم باسره فهل تعلمون احدا من بلادنا من استقى العلم من منابعه كما فعل، اوتعلمون من يماثله في تأثيره على تطور تلك النظريات . مؤلفاته الاصيلة شاهدة على ذلك. لقد ناصر ايسنك وولبى وماير في خروجهم على المرجعيات التحليليلة الفرويدية ولم يدخل معهم في نفق المثير والاستجابه الضيق بل دافع عن منهجه المعرفي باعتبار ان هنالك ضلعا مفقودا في التشخيص النفسي هو ادراكات المريض واختياره الحر. وقد أسس بذلك الموقف أسسا جديدة للعلاج المعرفي السلوكي الذي سبق فيه ايليس واخرين. ولم تعبر الدوائر النفسية الغربيه بما يكفي عن عرفانها لسبقه؛ اولا لانه لم يعر ذلك التفاتا ؛ وثانيا فان سبقه في ممارساته الاكلينيكية ونشره لنتائج طريقته الاكلينيكية كانت كافية لتاكيد مبادراته الأصيلة على غير مثال سابق. ويكفي ان العيادة النفسية بعده اتجهت بفضل آلة النشر الغربية الضخمة التي  اعطت لهذا النموذج في العلاج المعرفي السلوكي الصدارة في الممارسات الاكلينيكية على مستوى العالم. ولما كان هذا هو مبتغاه الاخير فقد تقدمهم بروفسر مالك جميعا خطوة الى الامام حيث وضع فكر وممارسات الامام الغزالي والرازي وابن سينا وابن قيم الجوزية وابي زيد البلخي كامثلة كاملة التاطير النظري والعملي كنموذج يحتذي لعلم النفس الروحي وعلم النفس التكاملى وعلم النفس الايجابي وهي ما انتهت اليه معارفنا وممارساتنا السايكلوجية في عالمنا المعاصر مسجلا مرة اخرى سبقا لجهوده العلمية  التي  قد يتولى تلامذته في ستانفورد –  وكولالامبور وجاكارتا واسلام اباد والخرطوم والرياض ولندن وغيرها  – يتولون اثباتها هذه المرة حتى يدرك العالم كله وليس علماء  النفس المسلمين كم خسر قطاع المعرفة في عالم اليوم برحيل البروفسر مالك بدري.   واما شخصيته فحدثوني انتم يا من صحبتموه ولو مرة واحدة كم كان ناسكا متبتلا في محراب العلم . كم كان مفكرا نافذ البصيرة في اغوار النفس الانسانية – كم كان زهدا فيما عند الناس راغبا في ما عند الله – كم عاش دائما على الكفاف متصدقا بما زاد عن حاجته ولا حاجة له تذكر من متاع الدنيا الا ذلك الحب والاحترام للخلق كلهم. لا أذكر اني لقيته يوما الا وهو ساع في حاجة احدهم يقيل عثرة، يصل رحما أو يغيث ملهوفا.   لقد كان رحيلا مرا  ترك لنا ثغرة ربما نحتاج الى الف من العلماء الملهمين ليسدوها . فليبكي جميعكم معي حزناً على أبي، فان أعطيتموني  عيوناً أبكي بها كان ذلك من فضلكم ، فقد جفت مدامعي  
الجمعية النفسية السودانية عنهم
  الزبير بشير طه